مقال حول مسألة إعادة موقف الإمام في المسجد النبوي والإجابة عمّا طرحه الشيخ عبد المحسن العباد في المسألة
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده
فقد قرأت مقالًا لفضيلة الشيخ العلامة المحدث عبد المحسن بن حمد العباد البدر - حفظه الله -
عنوانه ((ليس سائغًا تعطيل الزيادة القبلية في المسجد النبوي))
ومقالي هذا هو إيضاح للمسألة أقرب منه إلى كونه مقالًا في الرد على فضيلته،
وسأجمل ما أود ذكره في نقاط بعيدًا عن التفصيل المخل، وتأدبًا مع مقام فضيلة الشيخ عبد المحسن العباد،
فهو هو في علمه وفضله وسنِّه.
تصور المسألة:
- كان وقوف النبي عليه الصلاة والسلام في الصلاة في مقدم الروضة فيما يُعرف اليوم بالمحراب النبوي، وكذلك كان موقف الخليفة الراشد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وموقف أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قبل أن يقوم بتوسعة المسجد توسعة قبلية.
- وسّع أمير المؤمنين عمر المسجد من الناحية القبلية، وكذلك فعل أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه في خلافته، فأضحى مقام وقوف الإمام متقدمًا على مقام وقوفه في زمن النبوة وعهد أبي بكر.
- أقرّ الصحابة رضوان الله عليهم عمر وعثمان رضوان الله عليهما على توسعتهما القبلية، ولم يقُل أحدٌ منهم إنّ هذا عدول عن السنة، وترْكٌ لمقام وقوف رسول الله عليه الصلاة والسلام، وخليفته الراشد أبي بكر لعلمهم رضي الله عنهم أنّ الباعث على ذلك التوسعة على المسلمين، وحتى يتسع المسجد لأكبر قدر من المصلين.
- مما سبق يُدرك أنّ ليس كل تغيير عدولًا عن السنة، وأنّ الأمر محكوم بحاجة الناس والتوسعة عليهم ورفع الحرج؛ إذْ إنّه يمكن أن يتصور من هذا التقديم أنّ وقوف الإمام في موقف أمير المؤمنين عثمان في زمن يقل فيه عدد المصلين في أزمنة مضتْ، ربما نجم عنه خلوّ المحراب النبوي والروضة من المصلين ، ومع ذلك لا يمكن عَدّ ذلك تعطيلًا لهما ، لأنه غير مقصود لذاته.
- أدرك بعض أئمة المسجد النبوي في عصرنا هذه العلة، وهي القائمة على رفع الحرج عن الناس، فكان الإمام يتأخر في صلاة التراويح والتهجد وبعض الفروض، حتى يتسنى للزوار الوصول من غير حرج إلى القبر الشريف، وذلك في أيام شهر رمضان لكثرة المصلين والزوار، وقد تم هذا في زمن الملك عبدالعزيز رحمه الله تعالى رحمة واسعة من قِبل إمام المسجد النبوي آنذاك فضيلة الشيخ صالح الزغيبي رحمه الله.
وتم ذلك في زمن الملك سعود والملك فيصل والملك خالد وأوائل عهد الملك فهد رحمهم الله جميعًا من قِبل إمام وخطيب المسجد النبوي سماحة الشيخ عبدالعزيز بن صالح عضو هيئة كبار العلماء ورئيس المحاكم الشرعية بمنطقة المدينة المنورة، على مرأى ومسمع من كبار علماء ذلك العصر، مثل الشيخ الأمين الشنقيطي والشيخ عبدالله بن حميد، والشيخ الحركان والشيخ عبدالعزيز بن باز وغيرهم من غير نكير ولا اعتراض فما الذي اختلف؟
والذي اختلف أنّ الزحام والتدافع فيما سبق، كان أكثر ما يكون في رمضان، لكن بعد إذن الدولة -أعزها الله- بالعمرة في أكثر العام، توافد كثير من المسلمين من شتى بقاع الأرض إلى هذه البلاد المباركة، فما كان ازدحامًا وتدافعًا عارضًا في رمضان، أصبح واقعًا في أكثر العام.
وأضحت المشقة قائمة بسبب أنّ من جاء للصلاة مبكرًا يود البقاء في مصلاه، ينتظر الصلاة الأخرى، ومن صلى في مكان آخر غير مقدمة المسجد يود السلام على رسول الله وصاحبيه، ولا سبيل له إلا أن يتخطى المصلين، فكان إعادة الإمام إلى محراب النبوة لينجم عنه بقاء المصلين بعيدًا عن طريق الزائرين للقبر الشريف حلًّا أمثل تتحقق به المصلحة للجميع.
ويتضح من ذلك كله أنّ في هذا التوجيه الكريم، بجعل موقف الإمام في مقدم الروضة ليس فيه عدولٌ عن سنة الراشدين، ولا مصادمة لنصوص الكتاب أو هدي سيد المرسلين عليه الصلاة والسلام، بل ينجم عنه مصلحة أكبر، وهو أنه يتحقق لمن صلى في الصف الأول بعد هذا التوجيه، الجمع بين فضيلة الصلاة في الصف الأول والصلاة في الروضة، وهذا الفضل يحصل تبعًا للقرار لا مقصودًا أوليًّا له.
وينبغي التنبيه إلى أنّ ما ساقه فضيلة الشيخ العلامة عبدالمحسن العباد من أدلة وأقوال لجمع من أهل العلم بأن مقدمة المسجد اليوم جزء من المسجد، أنّ هذا حق لا مرية فيه عند جماهير أهل العلم ولا ننازع في صحته، لكنّه بمعزل ومنأى عن الاستدلال به في هذه المسألة.
واقترح فضيلة الشيخ عبدالمحسن فتح باب في الجدار القبلي ليصل منه الزائرون، وأخشى أن يكون في هذا التوجه إبراز للقبر، وهو ما حذرتْ منه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها كما في الصحيحين، ثم إنّ لمثل هذا الاقتراح لو تمّ -لا قدر الله- عواقب غير حميدة، لا يحسن الإفصاح عنها علنًا.
ذلك ما أردت بيانه لعامة المسلمين حول هذه المسألة
والحمد لله أولًا وآخرًا
صالح بن عوّاد المغامسي
1439-5-15هـ
الموافق 1-2-2108م