اليوم السابع - المقال (18) - 13 ربيع الأول 1431هـ
(العمرية) رائعة شعرية من روائع حافظ إبراهيم ألقاها في مدرج وزارة المعارف بمصر مساء الجمعة 8 فبراير سنة 1918م. وبداية نقول: ( إن قول نبينا صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق عن عمر بن الخطاب (ثم جاء عمر بن الخطاب فاستحالت غرباً فلم أر عبقرياً يفري فريه حتى رَوىَ الناس وضربوا بعطن). هذه المدحة النبوية لأمير المؤمنين عمر فتحت الأبواب مشروعة لمن أوتي حظاً في فهم الأنفس ودراسة أحوال العظماء، بل لكل راغب للمجد طامع في بنائه، في أن يدرس سيرة هذا الصحابي الجليل والخليفة الفذ رضوان الله عليه.
والقصيدة التي نحن بصدد الحديث عنها في مقالات متتابعات -بإذن الله- نحى فيها حافظ ابراهيم منحى تاريخيا صرفا من حيث توثيق أحداثها، لكنه وُفق توفيقا عظيما في ذكر إشارات مستوحاة من تلكم الأحداث، كل ذلك في أبيات محكمة المبنى قريبة المعنى جزلة الألفاظ غالبا. تسري فيها روح العاطفة كثيراً، بل عاطفة وأي عاطفة. قال حافظ في مستهل قصيدته: حسب القوافي وحسبي حين ألقيها أني إلى ساحة الفاروق أهديها وهذا البيت ظاهر أنه يستوحي جزالته حساً ومعنى من الحديث النبوي (ثم جاء عمر..) وهذا يذكّر بقول عباس محمود العقاد في حديثه عن عبقرية عمر (علم الله لو وجدت شططاً في أعماله الكبار لكن أحبّ شيء إلي أن أحصيه وأطنب فيه....
إن هذا الرجل العظيم أصعب من عرفتُ من عظماء الرجال نقداً ومؤاخذة، ومن فريد مزاياه أن فرط التمحيص وفرط الإعجاب في الحكم له أو عليه يلتقيان) اهـ. وُفق حافظ في أن يبدأ سرد الأحداث شعرياً بمقتل عمر ليقول: مولى المغيرة ! لاجادتك غادية من رحمة الله ما جادت غواديها مزقت منه أديماً حشوه همم في ذمة الله عاليها وماضيها طعنت خاصرة الفاروق منتقماً من الحنيفة في أعلى مجاليها -
لقد وُفق حافظ لأنه أراد بعد ذلك أن يشرع في الحديث عن جلائل أعمال الفاروق فليس حسناً أن يختمها بعد ذلك بذكر أحداث استشهاده فينغص على سامعه ويذكي جراح متلقيه، لكن هذا الحدث المؤلم لم يتركه حافظ يمضي دون أن يشير إلى أن الموالى مهما ظهر عليهم الضعف فإن ذلك لا يعني سلامتهم من المطامع، وهي حقيقة كان عمر كثيراً ما يرددها وقد أجملها حافظ في أربعة أبيات ختم بها الحديث عن هذا المقطع وهي قوله:
واهاً على دولة! بالأمس قد ملأت جوانب الشرق رغداً من أياديها
والله ما غالها قِدماً وكاد لها واجتث دوحتها إلا مواليها
يا ليتهم سمعوا ما قاله عمر والروح قد بلغت منه تراقيها
لا تكثروا من مواليكم فإن لهم مطامعًا بسمات الضعف تخفيها
وللحديث بقية
https://www.al-madina.com/article/18319/