عبده الأسمري
صحيفة الشرق 18-7-2014 العدد 957
من بدر الجنوب في بقاع طيبة الطيبة ترعرع، وعلى أيدي جهابذة العلم مثل الشنقيطي وأبي بكر الجزائري ظل الشيخ صالح المغامسي ينهل من العلم الشرعي في التفسير والحديث والفقه وعلوم السنة وغيرها وهو في العقدين الأول والثاني من عمره، مستغلاً حلقات العلم ومواطن المعرفة التي كانت تملأ جنبات المدينة المنورة، ومتباركاً بعظمة المكان متسلحاً بدوافع إيمانية نحو التميز في العلم الشرعي..
درس اللغة العربية وبرع فيها ولكن ميزان فكره وتوجهه وأحلامه كان يرجِّح كفة «الشريعة وعلومها»، فبات المغامسي إماماً وخطيباً لمسجد «قباء» أول بيت لله أسس في الإسلام.. ولأنه مسكون بالعلم، ظل المغامسي يمارس هوايته في القراءة والتعلم والبحث المتواصل حتى أصبح ضيفاً ينتظره الملايين في القنوات الفضائية، فسبر أغوار سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وبرع في التفسير وأجاد نقل الصورة اللازمة الملتزمة للشيخ الوقور وللضيف الفضائي من الشرعيين، ولا دليل أعظم من دموعه التلقائية التي تندفع ضعفاً وذلاً وخضوعاً لله. يحاور المقدم بلغة متواضعة، ويستمع من الناس بتواضع جم وعلم رفيع ويوجه المتصلين بلغة راقية وبجواب حاضر مختصر كافٍ وافٍ بعيدٍ عن التكلف أو التطويل..
لا يتردد عن إجابة الدعوات، يحاضر في كل المناطق بلغته المتزنة وبلكنته المميزة حتى تجاوز عديداً ممن سبقوه في حقل الدعوة لامتلاكه «كاريزما» خاصة من «الوجل» وملامح متخصصة من «الوعظ والإرشاد» فظل المغامسي قامة دعوية مهمة لقربه من الخطاب المتزن الموزون واقترابه من جيل الشباب وملامسته لهموم الأمة ولمساته في اختيار برامجه ومحاضراته، فلديه روائع البرامج ممثلة في «العرجون القديم» و«الباقيات الصالحات» و«أهل البقيع» و«قطوف دانية» وغيرها، ولكفاءته وعلمه الذي نما بالتواضع وتنامى بالدوافع اُختير ليكون مديراً لمركز بحوث ودراسات المدينة المنورة ومحاضراً في المعهد العالي للأئمـة والخطـباء بجـامعـة طيبة، وعضواً في لجنة تحكيم في الهيئة العالمية للإعجاز العــلمي للقرآن والسنة، وغيرها من المناصب والعضويات في عدة جهات. يسير ابن طيبة على منوال من سبقوه من علماء أرض المدينة المنورة متسلحاً بالعلم متيقناً بدموعه التي تسبق أقواله التي باتت منهاجاً مبسطاً لطالب العلم والداعية والإمام والخطيب، فقال: «التوبة وظيفة العمر»، ومبرمجاً ضعف الإنسان بقوله «في طريقك إلى الله أظهر ضعفك وعجزك»، وقوله المميز «بالعبادة تُستدَرُّ رحمة الله وبالضعف تُستَبعد نقمة الله»، وما قال عن الهداية والخاتمة «لا ييأس أحد من هداية أحد ولا يدري أحد أين الخواتيم».
المغامسي انغمس في العلم الشرعي بدافعية العبد الضعيف وبدائية المسلم المتواضع وتلقائية «الإنسان البسيط» فنهل العلم على طريقة «الصالحين»، وامتاز فيه على منهاج «المبدعين» فكان عالماً شرعياً وطالب علم وإماماً وخطيباً وواعظاً وداعية إلى الله في السر والعلن.. شخصية نبيلة جمعت صفات الإنسان وسمات الإيمان.
نشرت هذه المادة في صحيفة الشرق المطبوعة العدد رقم (٩٥٧) صفحة (٢٠) بتاريخ (١٨-٠٧-٢٠١٤)
http://www.alsharq.net.sa/2014/07/18/1181536