"إنها السنن"

اليوم السابع - المقال (25)

يقول الدكتور صلاح الدين المنجد عن عميد الأدب العربي «طه حسين» في مقال نشر عام 1973م في جريدة النهار: (عملاق فذ، ملأ عصره بوجوده، وهزه بنزواته وآرائه وخصوماته، كان عجيباً في كل شيء، يكره الاعتدال، عجيب في عماه الذي أعطاه الذكاء المتوقد، وفي سخريته من القديم وحبه الخروج عليه، وفي نهجه الجديد في نقد الأدب ودراسته، الذي قلب الموازين، وجدد المفاهيم.. وفي.. وفي..).

نثبت أولا: اختلافنا مع توجهات عميد الأدب العربي -رحمه الله- ونعلم أنه أفضى إلى ما قدم، لكن نثبت مع ذلك إيماننا أن طه حسين كان يملك من علم الآلة بمفهومه الواسع الممتد الشيء الكثير. لقد حفظ القرآن، وتتلمذ في الكتاتيب، وعرف الدراسة الأكاديمية واتصل بالحضارة الغربية وأتقن العربية والفرنسية اتقان أديب يُفكِّر لا اتقان عامي يتحدث.

والغاية من استصحاب هذا كله أنك لو قلبت عينيك فيما حولك اليوم ممن يتحدثون في المسائل الكبار أو حتى في الشأن العام أو يريدون أن يؤصلوا لمرحلة جديدة لوجدت أكثرهم مبتدئين. نعم، ما أحوج الأمة اليوم إلى من صدقت نيته وحسن خلقه وزكّى نفسه بتعاليم الدين ثم أطلق لنفسه وعقله العنان نحو سحائب المعرفة ورياض التجربة ينهل منها، لا تحكمه حزبية بغيضة، ولا ذو سلطان يأسره بعطاياه، ولا جماهير تقوده بدلاً أن يتقدم ركبها ويضيء دربها.

نعم.. عجز كثير من خصوم طه حسين عن مقارعته بالرغم من خطئه ذلك أنه تحدث بعد أن استوى وحلَّق وطار بعد أن (ريَّش)،

ونحن اليوم فُتِنَ أكثرنا ببريق الكاميرات وبث الفضائيات، ويستقصر أحدنا عمره يريد أن يظهر قبل أن يموت ويُعرف قبل أن يُفارق الدنيا. فبقيت آلام الأمة لا تجد من يداويها، وبقيت آمال الأمة لا تجد من يبعثها ويحييها. وكل ذلك لضعف قوة المتصدرين عقدياً ومعرفياً وسلوكياً إلا من رحم ربك، وقليل ما هم..

ومرحباً بالقليل إن كانوا كذلك. إن لله سنناً في خلقه لا تتبدل ولا تتغير، فالآمال الكبار لا تحققها العواطف والأقاويل. لابد من الأخذ بالأسباب والعمل بها، ولأمر شدّ الله لداوود ملكه، وسخر الأسباب لذي القرنين، وأمر يحيى أن يأخذ الكتاب بقوة، إنها السنن بلا ريب..!

https://www.al-madina.com/article/27125/