علو الهمة

اليوم السابع - المقال (29) - 1 جمادى الآخرة 1431هـ

لا ريب أن علو الهمة من دلائل مراتب الكمال. ولهذا مُدحَ بها الملوك وعلية القوم:

لَهُ هِمَمٌ لا مُنتَهى لِكِبارِها   وَهِمَّتُهُ الصُغرى أَجَلُّ مِنَ الدَهرِ

وهي مهلكة للجسد، متعبة للذهن، صارفة عن كثير من المباحات مانعة لحياة السرور والملذات.

قال أبو الطيب: وإذا كانَتِ النّفُوسُ كِبارًا   تَعِبَتْ في مُرادِها الأجْسامُ

على أنه ينبغي لمن سمت همته أن يذكر أمورًا ثلاثة:

أولها: أن لا يطلب ما ليس له، فليس علو الهمة وحده شفيعًا أن يحقق كل غاية وإلا خيف على صاحبها من المثل المشهور (تلاقي كما لاقى يسار الكواعب)، ويسار هذا فيما يزعمون كان عبدًا، طمع يومًا في بنت سيده، فأخذ يتحرش بها وهي تحذره من مغبة ذلك وتنهاه، فلما رأت إصراره قالت: لن يكون ما تريد حتى تقبل أن أصنع لك طيبًا تتجمر به فقبل، فأخذت معها (موس) فلما طيبته قطعت مذاكيره وهو يصرخ يحسب أنه من قرب الطيب والجمر وهي تقول له: اصبر على جمر الكرام، فما لبث أن مات متأثرًا بجراحه، فضربت به العرب المثل فيمن يطلب ما ليسه له.

وثاني ما ينبغي تذكره: هو أنه لا بد من التسلي بالمنى ودفع اليأس ومغالطة النفس، قال أحد الحكماء:

وإذا هممت فناج نفسك بالمُنى   وعدًا فخيراتُ الجنانِ عِداتُ

واجعل رجاءَك دون يأسك جُنَّةً   حتى تزولَ بهمكَ الأوقاتُ

ودَعِ التوقعَ للحوادِثِ إنَّهُ     للحي من قبلِ المماتِ مماتُ

لولا مُخالطةُ النفوسِ عقولها    لم تصف للمتيقظين حياةُ

وثالثها: الأخذ بالاسباب مع الحكمة في استعمالها، ولئن تقف ألف يوم خير من أن ترجع للوراء خطوتين.

وقد يظن بعض من يحكم على الكلمات بادي الرأي أن فيما حررناه شيئًا من التناقض لكن مثل هذا ليس سهلًا أن يتبين لكل أحد.

أما جوهر الأمر ولبه فهو عظيم الصلة بالله وحسن الظن به والتسليم لقضائه وقدره مع عظيم الاستعانة به، فإن قُرِن هذا بقصد طيب ومراد حميد فهذا الذي تشرئب اليه اعناق الرجال وتضرب له اكباد الإبل.

ولا تُنال الإمامة في الدين إلا بالصبر واليقين.


https://www.al-madina.com/article/31828